هل يمكن للقتل أن يكون مهنة ..؟؟
أعلم أنّه هواية أثيرة عند البعض .. و أفهم أنه قد يكون من باب ( الأعمال الخيرية الطوعية ) عند البعض الآخر .. لكنه عندما يصبح مهنة عادية فهذا يعني أننا تحوّلنا و بشكلٍ حرفيّ إلى ( أكلة لحوم البشر ) .
لكن الأمر – كالعادة – نسبيّ أيضاً ففي صعيد مصر أم الدنيا ينتشر نوعٌ من القتلة هم القتلة المأجورون الذين يعتبرون أن القتل عمل طبيعي عادي مثل بقية الأعمال التي يمارسها جميع خلق الله يعتاشون من ورائها و يطعمون أفواه أولادهم الجائعة .. و اليد البطّالة نجسة كما تعلمون .. و العمل عمل مهما كان غريباً أو مستهجناً ..
المهم أن هؤلاء القتلة في العادة لهم سوق رائجة هناك .. فعادة الثأر المنتشرة في الصعيد تتطلّب أن يلجأ الناس إليهم ليقوموا بتنفيذ مهمّة شاقة لا يستطيع غيرهم أحياناً تنفيذها على الوجه الأفضل ..
ذات يوم قرأت حادثة طريفة عن امرأة مسنّة فقيرة تمّ قتل ولدها الوحيد في حادثة ثأر .. و لكونها ( مقطوعة من شجرة ) بلا سندٍ أو معين .. و بما أنه لا يمكن أن يقوم بالثأر لوليدها إلا رجل متمكّن من ذلك فقد لجأت إلى أحد هؤلاء القتلة لعلّه يشفي غليلها و يحرق قلب من أحرقوا قلبها على ولدها ..
استمع الرجل إلى قصّتها .. و رقّ قلبه الرهيف لشكواها و ضعف حالها و وحدتها .. و بعد أن اتفقا على التفاصيل و حدّدا الهدف المطلوب قتله .. أتى وقت البحث في الأجر المطلوب لهذه المهمّة .. و هنا كانت المفاجأة .
نهض الرجل واقفاً بعد أن قدّمت له المرأة مصاغها كلّه .. و حلف يميناً مغلّظاً أن يقوم بالعمل مجّاناً لوجه الله سبحانه و تعالى و يكفيه منها أن تدعو له الله في الأيام المباركة .. و ( الناس لبعضها يا خالة ) و ( اتركي الحساب ليوم الحساب .. أجري على الله ) و (ذي زكاة عافيتي يا خالتي ) ..
خرجت المرأة من عنده و هي تبكي تأثّراً بطيبة قلب هذا ( القاتل ) .. و بعد أيام زغردت فرحاً و أقامت مأتم ابنها كما يليق رافعة رأسها بين الناس بعد أن وصل خبر مقتل المطلوب ..
يقال أن الرجل قُبِض عليه بعد فترة و تمّت محاكمته و كانت المرأة تحضر كلّ جلسات المحاكمة و هي تبكي و تدعو له بالتوفيق و أن يأخذ الله بيده و ينصره على من يعاديه و أن يثيبه خيراً في الخير الذي فعله لها ..
تأملت هذه الحادثة طويلاً .. و قلت في نفسي :
و الله أن الحكاية تسوى يا يزيد .. عمل لطيف مربح بلا رأس مال أو شهادات أو وجع دماغ .. و هو غير مكلف على الإطلاق لا يحتاج منك إلا أن يُقَدّ قلبك من حديد ( و هو حديد بحمد الله ) و قليلاً من التخطيط و الدراسة ( و هذه ساحتي التي أمرح فيها و ألعب ) و شيئاً من الحظ الجيّد الذي ستجلبه حتماً دعوات الناس و ابتهالاتهم إلى الله العليّ القدير أن يوفّقني و ينجِّني من عيون العسس و بصابيصهم و أعوانهم و من لفّ لفّهم .
ثم إن البشر سيموتون يوماً ما من نفسهم دون أي تدخّل خارجي .. و من لم يمت بالسيف مات بدونه .. و إذا لم يُقيّض لهم أن يفيدوا أحداً في حياتهم فلا أقلّ من أن يفيدوا العبد الفقير لله في موتهم .. كما أنك لن تستطيع تمييز الميّت فيهم عن الحيّ فالأمر سيّان أن تكون ميّتاً فوق الأرض أو تحتها .. بالإضافة إلى أننا مغرَمون بالموت أصلاً و ما تلك التعابير الدارجة التي يستخدمها العشّاق في نجواهم و تغزّلهم من مثل ( أموت فيك أو عليك ) أو ( أحبك موت ) أو ( ذبحني رمشك الجارح ) أو ( قتلني خصرك المايل ) إلا دليلاً قاطعاً أننا أمّة تعشق الموت تعشّقاً و لا نستطيع أن ( نحيا ) دون أن نفكر به .. فما هو الفرق بين أن تذبحنا رموش العيون العسلية أو شفرّة جزّار مجليّة ..!!!!
و بما أننا في القرن الواحد و العشرين و من غير المعقول أن نمارس أعمالنا بأسلوب قديم أكل عليه الدهر و شرب .. و نظراً لأني حداثي جداً و صارم للغاية فيما يتعلّق بتطبيق آخر الموضات في عملي الذي آكل منه خبزاً ( و قليلاً من الجبن الأخضر أحياناً ) فلا بدّ من أن أبتدع طريقة جديدة أحقّق فيها شهرة و انتشاراً يتجاوز ما حقّقه عتاة المجرمين و مشاهير الجلاوزة السفاحين ..
و هكذا نشرت إعلاناً في جميع الجرائد و بالفونط العريض :
هل أنتَ غاضبٌ من زوجتك ..؟؟؟
هل أنتَ متضايق من زميلك في العمل ..؟؟
هل يزعجك جارك المشاكس ..؟؟
هل ترين النجوم في عزّ الظهيرة حين تلمحين ظلّ حماتك ..؟؟
لا تكتفوا بالشكوى و الدعاء آناء الليل و أطراف النهار أن تخسف الأرض بأعدائكم أو تنطبق السماء على من تبغضون .. فالله لا يساعد إلا من يساعدون أنفسهم …
ساعد نفسك و اتصل الآن بالعميل ( شنكل ) و اترك الأمر من بعد الله له ..
أسعار خاصّة للاتصالات العشر الأولى ..
ملاحظة : مستعدّون لتلبية الطلبات الخاصة حسب رغبة الزبون و السرية مضمونة ..
لسنا وحدنا .. لكننا الأفضل .
و ما أن مرّت سويعات قلائل على نشر هذا الإعلان حتى أيقنت أنني اخترت العمل الصحيح .. فالسوق عطشى لمثل هذه الحرفة .. و بدا لي – من سيل الخطابات الذي انهمر – أن الناس لم تعد تطيق بعضها إطلاقاً و أن نصف العالَم يريد أن يتخلّص من النصف الآخر .. و أنني لو قمت بتنفيذ جميع الطلبات التي تلقيتها لانقرض الجنس البشري فوراً و لجعلت ( عزرائيل ) يحتاس في أمره و يضرب أخماساً في أسداس في كيفيّة قطف الأرواح التي أزهقها بالجملة ..
و هكذا قرّرت أن أتروّى قليلاً .. و أن أدرس كلّ طلب على حدة بشكلٍ مستفيض فليس من المعقول أن أقتل رجلاً لمجرّد أن سحنته لا تتوافق مع المعيار الجمالي لجاره المحترم .. أو أن أزهق روح امرأةٍ ملّها زوجها و أراد أن ( يبرطع ) على كيفه دون نكد .. أو أن ألبِّ طلب تلميذٍ فاشل في قتل جميع أعضاء الهيئة التدريسية و الإدارية في مدرسته ..
نعم .. لا بد من التروّي قليلاًً و بحث كلّ حالة بهدوء و دراسة حيثيّات كل قضية و تمحيصها جيّداً فالأمر ليس لعبة و ليس من المعقول ألاّ أجد ما أجيب حين سأقف بين يدي الله و يسألني – يا للهول - عن كل هذه الدماء التي في رقبتي .
يا أزهار الشر ..
من الأرض الموات تطلعين ..
أخبريني ..
كيف يتنفّس الموت رائحة الياسمين ..؟؟
يتبع